فصل: تفسير الآية رقم (4):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.سورة الأحزاب:

أخرج البيهقي في الدلائل وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: نزلت سورة الأحزاب بالمدينة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله.
وهي ثلاث وسبعون آية.
قال الطبرسي: بالإجماع.
وقال الداني: هذا متفق عليه.
وأخرج عبدالرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبدالله بن أحمد في زوائد المسند والنسائي والحاكم وصححه والضياء في المختارة وآخرون عن زر بن حبيش قال: قال لي أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه كائن تقرأ سورة الأحزاب أو كائن تعدها قلت: ثلاثا وسبعين آية فقال: أقط لقد رأيتها وإنها لتعادل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم فرفع فيما رفع وأراد رضي الله تعالى عنه بذلك النسخ وأما كون الزيادة كانت في صحيفة عند عائشة فأكلها الداجن فمن وضع الملاحدة وكذبهم في أن ذلك ضاع بأكل الداجن من غير نسخ كذا في الكشاف.
وأخرج أبو عبيد في الفضائل وابن الأنباري وابن مردويه عن عائشة قالت: كانت سورة الأحزاب تقرأ في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم مائتي آية فلما كتب عثمان رضي الله تعالى عنه المصاحف لم يقدر منها إلا على ما هو الآن وهو ظاهر في الضياع من القرآن ومقتضى ما سمعت أنه موضوع والحق أن كل خبر ظاهره ضياع شيء من القرآن أما موضوع أو مؤول.
ووجه اتصالها بما قبلها على ما قال الجلال السيوطي تشابه مطلع هذه ومقطع تلك فإن تلك ختمت بأمر النبي بالإعراض عن الكافرين وانتظار عذابهم وهذه بدئت بأمره عليه الصلاة والسلام بالتقوى وعدم طاعة الكافرين والمنافقين وإتباع ما أوحى إليه والتوكل عليه عز وجل حيث قال سبحانه وتعالى:
بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)}
{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق الله} ناداه جل وعلا بوصفه عليه الصلاة والسلام دون اسمه تعظيمًا له وتفخيمًا قال في الكشاف. إنه تعالى جعل نداءه من بين الأنبياء عليهم السلام بالوصف كرامة له عليه الصلاة والسلام وتشريفًا وربأ حله وتنويهًا بفضله، وأوقع اسمه في الأخبار في قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 29] {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] لتعليم الناس بأنه رسول وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به فلا تفاوت بين النداء والأخبار، ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الأخبار كيف ذكره تعالى بنحو ما ذكره في النداء كما في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] {وَقَالَ الرسول يارب} [الفرقان: 30] {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] إلى غير ذلك.
وتعقبه في الكشف بأن أمر التعليم والتلقين في قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 29] ظاهر أما في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] فلا، على أن قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَءامَنُواْ} [محمد: 2] ينقض ما بناه، نعم النداء يناسب التعظيم ورا يكون نداء سائر الأنبياء عليهم السلام في كتبهم أيضًا على نحو منه، وحكى في القرآن باسمائهم دفعًا للالباس، والاسبه أنه لما قل ذكره صلى الله عليه وسلم باسمه دل على أنه أعظم شأنًا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وفيه نظر.
واختار الطيبي طيب الله تعالى ثراه أن النداء المذكور هنا للاحتراس وجبر ما يوهمه الأمر والنهي كقوله تعالى: {عَفَا الله عَنكَ لَّمًّا *أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] وظاهر سياق ما بعد أن المعنى بالأمر بالتقوى هو النبي صلى الله عليه وسلم لا أمته كما قيل في نظائره والمقصود الدوام والثبات عليها، وقيل: الازدياد منها فإن لها بابًا واسعًا وعرضًا عريضًا لا ينال مداه {وَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي المجاهرين بالكفر {والمنافقين} المضمرين لذلك فيما يريدون من الباطل؛ أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة. وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت، وذكر الثعلبي. والواحدي بغير إسناد أن أبا سفيان ابن حرب. وعكرمة بن أبي جهل. وأبا الأعور السلمي قدموا عليه عليه الصلاة والسلام في زمان الموادعة التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم وقام معهم عبد الله بن أبي.
ومعتب بن قشير. والجد بن قيس فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارفض ذكر آلهتنا وقل: إنها تشفع وتنفع وندعك وربك فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهموا بقتلهم فنزلت، وقيل: نزلت في ناس من ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه عليه الصلاة والسلام أن يمتعهم باللات والعزى سنة قالوا: لتعلم قريش منزلتنا منك ولا يبعد أن يكون المراد بالنهي الثبات على عدم الإطاعة، وذكره بعد الأمر بالتقوى المراد منه الثبات عليها على ما قيل من قبيل التخصيص بعد التعميم لاقتضاء المقام الاهتمام به، وقيل: من قبيل التأكيد، وقيل: متعلق كل من التقوى والإطاعة مغاير للآخر على ما روي الواحدي، والثعلبي، والمعنى اتق الله تعالى في نقض العهد ونبذ الموادعة ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا منك من رفض ذكر آلهتهم وقولك: إنها تشفع وتنفع وكأنه إنما قدم الأمر بقتوى الله تعالى في نقض العهد لما أن المؤمنين قد هموا بما يقتضيه بخلاف الإطاعة المنهى عنها فإنها مما لم يهم بما يقتضيها أحد أصلًا فكان الاهتمام بالأمر أتم من الاهتمام بذلك النهي {إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} مبالغًا في العلم والحكمة فيعلم الأشياء من المصالح والمفاسد فلا يأمرك إلا بما فيه مصلحة ولا ينهاك ألا عما فيه مفسدة ولا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة البالغة فالجملة تعليل للأمر والنهي مؤكد لوجوب الامتثال بها.
وقيل: المعنى إن الله كان عليمًا بمن يتقي فيجازيه بما يليق به حكيمًا في هدى من شاؤوا ضلال من شاء فالجملة تسلية له صلى الله عليه وسلم، وليس بشيء، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (2):

{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)}
{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} عطف على ما تقدم من قبيل عطف العام على الخاص أي اتبع في كل ما تأتي وتذر من أمور الدين ما يوحى إليك من الآيات التي من جملتها هذه الآية الآمرة بتقوى الله تعالى الناهية عن إطاعة الكفرة والمنافقين، والتعرض لعنوان الربوبية لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر {إِنَّ الله كَانَ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قيل: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والجمع للتعظيم، وقال أبو البقاء: إنما جاء بالجمع لأنه عني بقوله تعالى: {أَتَّبِعُ مَا يِوحَى} إلخ اتبع أنت وأصحابك؛ وقيل: للغائبين من الكفرة المنافقين وبطريق الالتفات. ولا يخفى بعده. نعم يجوز أن يكون للكل على ضرب من التغليب، وأيًا ما كان فالجملة تعليل للأمر وتأكيد لموجبه فكأنه قيل على الأول: إن الله تعالى يعلم بما تعمل فيرشدك إلى ما فيه الصلاح فلابد من اتباع الوحي والعمل قتضاه حتمًا، وعلى الثاني إن الله تعالى خبير بما يعمل الكفرة والمنافقون من الكيد والمكر فيأمرك سبحانه بما يدفعه فلابد من اتباع ما يوحيه جل وعلا إليك، وعلى الثالث إن الله تعالى خبير بما تعمل ويعمل الكفرة والمنافقون فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك ويطلعك على كيدهم ومكرهم ويأمرك جل شأنه بما يدفع ذلك ويرده فلابد من اتباع وحيه تعالى والعمل وجبه. وقرأ أبو عمرو {يَعْمَلُونَ} بياء الغيبة على أن الضمير للكفرة والمنافقين.
وجوز كونه عامًا فلا تغفل.

.تفسير الآية رقم (3):

{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أي فوض جميع أمورك إليه عز وجل: {وكفى بالله وَكِيلًا} حافظًا موكولًا إليه الأمور، والإظهار في مقام الإضمار للتعظيم ولتستقل الجملة استقلال المثل.

.تفسير الآية رقم (4):

{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (4)}
{مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} أخرج أحمد. والترمذي وحسنه. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. والحاكم وصححه. وابن مردويه. والضياء في المختارة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قام النبي صلى الله عليه وسلم يومًا يصلي فخطر خطرة فقال المنافقون الذين يصلون معه ألا ترى أن له قلبين قلبًا معكم وقلبًا معهم فنزلت، وفي رواية عنه رضي الله تعالى عنه صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا: إن له قلبين ألم تسمعوا إلى قوله وكلامه في الصلاة إن له قلبًا معكم وقلبًا مع أصحابه فنزلت، وقال مقاتل في تفسيره. وإسماعيل بن أبي زياد الشامي. وغيرهما: نزلت في أبي معمر الفهري كان أهل مكة يقولون: له قلبان من قوة حفظه وكانت العرب تزعم أن كل لبيب أريب له قلبان حقيقة، وأبو معمر هذا أشتهر بين أهل مكة بذي القلبين وهو على ما في الإصابة جميل بن أسيد مصغر الأسد، وقيل: ابن أسد مكبرًا وسماه ابن دريد عبد الله بن وهب، وقيل: إن ذا القلبين هو جميل بن معمر بن حبيب بن وهب بن حذافة ابن جمح الجمحي وهو المعنى بقوله: وكيف ثوائى البيت وقد تقدم في تفسير سورة لقمان، والمعول على ما في الإصابة، وحكى أنه كان يقول: إن لي قلبين أفهم بأحدهما أكثر مما يفهم محمد صلى الله عليه وسلم فروي أنه انهزم يوم بدر فمر بأبي سفيان وهو معلق احدى نعليه بيده والأخرى في رجله فقال له أبو سفيان: ما فعل الناس؟ فقال: هم ما بين مقتول وهارب فقال له: ما بال إحدى نعليك في رجلك والأخرى في يدك؟ فقال: ما ظننت إلا أنهما في رجلي فأكذب الله تعالى قوله وقولهم.
وعن الحسن أنه كان جماعة يقول الواحد منهم: نفس تأمرني ونفس تنهاني فنزلت، والجعل عنى الخلق ومن سيف خطيب، والمراد ما خلق سبحانه لأحد أو لذي قلب من الحيوان مطلقًا قلبين فخصوص الرجل ليس قصود وتخصيصه بالذكر لكمال لزوم الحياة فيه فإذا لم يكن ذلك له فكيف بغيره من الإناث، وأما الصبيان فمآلهم إلى الرجولية، وقوله سبحانه: {فِى جَوْفِهِ} للتأكيد والتصوير كالقلوب في قوله تعالى: {ولكن تعمى القلوب التي فِي الصدور} [الحج: 46] وذكر في بيان عدم جعله تعالى قلبين في جوف بناء على ما هو الظاهر من أن المراد بالقلب المضغة الصنوبرية أن النفس الناطقة وكذا الحيوانية لابد لها من متعلق ومتعلقها هو الروح وهو جسم لطيف بخاري يتكون من ألطف أجزاء الأغذية لأن شد الأعصاب يبطل قوى الحس والحركة عما وراء موضع الشد مما لا يلي جهة الدماغ والشد لا يمنع إلا نفوذ الأجسام، والتجارب الطبية أيضًا شاهدة بذلك، وحيث أن النفس واحدة فلابد من عضو واحد يكون تعلقها به أو لإثم بسائر الأعضاء بواسطته.
وقد ذكر غير واحد أن أول عضو يخلق هو القلب فإنه المجمع للروح فيجب أن يكون التعلق أولًا به ثم بواسطته بالدماغ والكبد وبسائر الأعضاء فمنبع القوى بأسرها منه وذلك يمنع التعدد إذ لو تعدد بأن كان هناك قلبان لزم أن يكون كل منهما أصلًا للقوى وغير أصل لها أو توارد علتين على معلول واحد، ولا يخفى على من له قلب أن هذا مع ابتنائه على مقدمات لا تكاد تثبت عند أكثر الإسلامين من السلف الصالح والخفل المتأخرين ولو بشق الأنفس أمر اقناعي لا برهان قطعي، على أن للفلسفي أيضًا له فيه مقالًا، وقد يفسر القلب بالنفس بناء على أن سبب النزول ما روى عن الحسن إطلاقًا للمعلق على المتعلق وقد بينوا وحدة النفس وأنه لا يجوز أن تتعلق نفسان فأكثر ببدن بما يطول ذكره، وللبحث فيه مجال فليراجع، ثم إن هذا التفسير بناء على أن سبب النزول ما ذكر غير متعين بل يجوز تفسير القلب عليه بما هو الظاهر المتبادر أيضًا، وحيث أن القلب متعلق النفس يكون نفي جعل القلبين دالًا على نفي النفسين فتدبر.
{وَمَا جَعَلَ أزواجكم اللائى تظاهرون مِنْهُنَّ أمهاتكم} إبطال لما كان في الجاهلية من أجزاء أحكام الأمومة على المظاهر منها، والظاهر لغة مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر ويستعمل في معان مختلفة راجعة إليه معنى ولفظًا بحسب اختلاف الأغراض فيقال ظاهرته إذا قابلت ظهرك بظهره حقيقة وكذا إذا غايظته باعتبا رأن المغايظة تقتضي هذه المقابلة، وظاهرته إذا نصرته باعتبار أنه يقال: قوى ظهره إذا نصره وظاهرت بين ثوبين إذا لبست أحدهما فوق الآخر على اعتبار جعل ما يلي بك كل منهما الآخر ظهرًا للثوب، ويقال: ظاهر من زوجته إذ قال لها أنت علي كظهر أمي نظير لبي إذ قال لبيك وأفف إذ قال أف، وكون لفظ الظهر في بعض هذه التراكيب مجازًا لا يمنع الاشتقاق منه ويكون المشتق مجازًا أيضًا والمراد منه هنا المعنى الأخير، وكان ذلك طلاقًا منهم.
وإنما عدي بمن مع أنه يتعدى بنفسه لتضمنه معنى التباعد ونحوه مما فيه معنى المجانبة ويتعدى ن، والظهر في ذلك مجاز على ما قيل عن البطن لأنه إنما يركب البطن فقوله: كظهر أمي عنى كبطنها بعلاقة المجاورة ولأنه عموده، قال ابن الهمام: لكن لا يظهر ما هو الصارف عن الحقيقة من النكات، وقال الأزهري معناه: خصوا الظهر لأنه محل الركوب والمرأة تركب إذا غشيت فهو كناية تلويحية انتقل من الظهر إلى المركوب ومنه إلى المغشي، والمعنى أنت محرمة على لا تركبين كما لا يركب ظهر الأم وقيل: خص الظهر لأن إتيان المرأة من ظهرها في قبلها كان حرامًا عندهم فإتيان أمه من ظهرها أحرم فكثر التغليظ، وقيل: كنوا بالظهر عن البطن لأنهم يستقبحون ذكر الفرج وما يقرب منه سيما في الأم وما شبه بها، وليس بذاك، وهو في الشرع تشبيه الزوجة أو جزء منها شائع أو معبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد ولو برضاع أو صهرية وزاد في النهاية قيد الاتفاق ليخرج التشبيه بما لا يحل النظر إليه ممن اختلف في تحريمها كالبنت من الزنا وتحقيق الحق في ذلك في «فتح القدير»، وخص باسم الظهار تغليبًا للظهر لأنه كان الأصل في استعمالهم وشرطه في المرأة كونها زوجة وفي الرجل كونه من أهل الكفارة، وركنه اللفظ المشتمل على ذلك التشبيه، وحكمه حرمة الوطء ودواعيه إلى وجود الكفارة، وتمام الكلام فيه في كتب الفروع، وسيأتي إن شاء الله تعالى بعض ذلك في محله.
وقرأ قالون. وقنبل هنا وفي المجادلة والطلاق {اللاء} بالهمز من غير ياء، وورش بياء مختلسة الكسرة، والبزي. وأبو عمرو {اللاي} بياء ساكنة بدلًا من الهمزة وهو بدل مسموع لا مقيس وهي لغة قريش، وقرأ أهل الكوفة غير عاصم {ديارهم تظاهرون} بفتح التاء وتخفيف الظاء وأصله تتظاهرون فحذفت إحدى التاءين.
وقرأ ابن عامر {تظاهرون} بفتح التاء وتشديد الظاء وأصله كما تقدم إلا أنه أدغمت التاء الثانية في الظاء.
وقرأ الحسن {تُظْهِرُونَ} بضم التاء وفتح الظاء المخففة وشد الهاء المكسورة مضارع ظهر بتشديد الهاء عنى ظاهر كعقد عنى عاقد، وقرأ ابن وثاب فيما نقل ابن عطية {تُظْهِرُونَ} بضم التاء وسكون الظاء وكسر الهاء مضارع أظهر، وقرأ هرون عن أبي عمرو و{تُظْهِرُونَ} بفتح التاء والهاء وسكون الظاء مضارع ظهر بتخفيف الهاء، وفي مصحف أبي {تتظهرون} بتاءين ومعنى الكل واحد.
{أمهاتكم وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} إبطال لما كان في الجاهلية أيضًا وصدر من الإسلام من أنه إذا تبنى الرجل ولد غيره أجريت أحكام البنوة عليه، وقد تبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة زيد بن حارثة. والخطاب عامر بن ربيعة. وأبو حذيفة مولاه سالمًا إلى غير ذلك، وأخرج ابن أبي شيبة. وابن جرير. وابن المنذر عن مجاهد أن قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ} إلخ، نزلت في زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه. و{أدعياء} جمع دعى وهو الذي يدعى ابنًا فهو فعيل عنى مفعول وقياسه أن يجمع على فعلي كجريح وجرحى لا على أفعلاء فإن الجمع عليه قياس فعيل المعتل اللام عنى فاعل كتقي وأتقياء فكأنه شبه به في اللفظ فحمل عليه وجمع جمعه كما قالوا في أسير وقتيل أسراء وقتلاء، وقيل: إن هذا الجمع مقيس في المعتل مطلقًا، وفيه نظر.
{الاخر ذلكم} قيل: إشارة إلى ما يفهم من الجمل الثلاثة من أنه قد يكون قلبان في جوف والظهار والإدعاء.
وقيل: إلى ما يفهم من الأخيرتين، وقيل: إلى ما يفهم من الأخيرة {قَوْلُكُم بأفواهكم} فقط من غير أن يكون له مصداق وحقيقة في الواقع ونفس الأمر فإذن هو عزل عن القبول أو استتباع الأحكام كما زعمتم.
{والله يَقُولُ الحق} الثابت المحقق في نفس الأمر {وَهُوَ يَهْدِى السبيل} أي سبيل الحق فدعو قولكم وخذوا بقوله عز وجل.
وقرأ قتادة على ما في البحر {يَهْدِى} بضم الياء وفتح الهاء وشد الدال، وفي الكشاف أنه قرأ {وَهُوَ الذي يَهْدِى السبيل}.